بقلم: سمير عباهرة
تنعقد القمة العربية الثالثة والثلاثون في العاصمة البحرينية المنامه يوم الخميس 16 من ايار الجاري وسط ظروف استثنائية تمر بها المنطقة العربية وفي ظل ظروف غير مسبوقة في تاريخ القضية الفلسطينية. تحديات كثيرة تواجه الامة العربية ومن المفترض العمل على تجاوزها والخروج منها بحيث تشكل بداية استفاقة عربية قادرة على تذليل كافة الصعاب التي تقف امام المشروع العربي ومواجهة هذه التحديات بمختلف جوانبها فالظروف الدولية باتت مهيأة تماما لإعادة الاعتبار للشخصية العربية واستنهاض كافة الطاقات لهذا الغرض وإبراز الكيان العربي كقوة قادمة في المعادلة الدولية الجديدة وبالشروط التي تمكن العرب من الحفاظ على الاستقلال وامتلاك خاصية القرار المؤثر في السياسة الدولية وتحت قاعدة الند بالند حتى تتمكن من الانخراط في المعادلة الدولية بحيث يكون لها موطأ قدم في أي تحالفات قادمة.
وتكمن اهم التحديات التي تواجه القادة العرب في المنامة في مواجهة العدوان الاسرائيلي على الشعب الفلسطيني في غزه وفي الضفة وحرب الابادة التي ترتكبتها اسرائيل في غزة والأعداد المرتفعة من الشهداء والإصابات والتي بلغت في مجموعها ما يزيد على المئتي الف عدا عن اعداد المفقودين الذين لم يتم احصاءهم اضافة الى تدمير المؤسسات والمستشفيات والمدارس وحجم الدمار الهائل التي خلفته الة الحرب الاسرائيلية في تدمير ما يزيد عن 75% من ممتلكات الشعب الفلسطيني ويبقى الموضوع الاهم في هذه الحرب المدمرة الا وهو عملية التهجير القسري التي فرضتها اسرائيل التي تريد ارضا خالية من السكان بما يتماهى مع متطلباتها الامنية والاقتصادية والديمغرافية. هذه التحديات بحاجة الى وقفة عربية جادة اكثر من أي وقت مضى بحكم الاخطار التي باتت تهدد الامن القومي العربي بشكل كامل وبدا واضحا ان العدوان الاسرائيلي على الشعب الفلسطيني في غزة بات يمتد بحيث اصبح يشكل خطرا على كل من مصر والأردن وسوريا ولبنان والعراق واليمن والتي باتتى كل دولة مستهدفة من خلال سيناريوهات شاهدنا البعض منها وربما بقيت بعض السناريوهات في طي الكتمان ويجري اعدادها في الخفاء حتى باتت المشنقة تلتف حول عنق النظام العربي.
هكذا يتضح ان الحفاظ على الامن القومي العربي يبدأ من فلسطين وينتهي فيها وان الملف الفلسطيني بشقيه - الاول ملف "حرب غزة" سيكون الحدث الأهم بالنسبة للقادة العرب حيث أن مصير ومستقبل المنطقة بأسرها متعلق إلى ما تؤول إليه نتائج الحرب الدائرة وانعكاساتها المستقبلية على دول الجوار ودول المنطقة ما يدفع إلى ضرورة التوصل إلى قرارات بناءة تسهم في تعزيز التضامن العربي ودعم جهود إحلال السلام والأمن والاستقرار في المنطقة والدفع إلى وقف دائم للحرب وإعادة الحياة إلى قطاع غزة دون عوائق اما الشق الاخر المتعلق في الملف الفلسطيني فهو ما يتعلق بإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية وقد تعالت أصواتاً كثيرة منذ بدء العنوان على غزة بضرورة انهاء الصراع وحصول الفلسطينيين على حقوقهم بإقامة دولتهم المستقلة وفد نادت الولايات المتحدة علانية بذلك عندما ادركت جيدا ان العدوان على غزه واستمرار الصراع هو نتاج طبيعي لعدم حصول الفلسطينيين على حقوقهم وهنا يجب ان نتوقف كثيرا حول هذا الملف الذي بدا يطرق باب العالم مجددا والمنطقة بشكل كامل عندما صوتت الجمعية العامة في الامم المتحدة على نيل فلسطين عضوية كاملة في الامم المتحدة والموضوع الاخر والاهم في ذلك والذي تناقلته وسائل الاعلام منذ مدة وركزت عليه وهو التطبيع السعودي الاسرائيلي والتي تضع الولايات المتحدة ثقلها السياسي لانجازه لكن المملكة العربية السعودية تضع شرطا وهو ولادة الدولة الفلسطينية لاستكمال مشروع التطبيع والذي كان له تداعيات كبيرة وربما تكون احد اسباب الحرب على غزه من قبل اسرائيل هو افشال المشروع السعودي المتعلق بإقامة الدولة الفلسطينية ويتقاطع مع اسرائيل في هذا الاتجاه بعض القوى الاقليمية وأدواتهم لكن الامر الذي فرض نفسه على الواقع السياسي العربي هو الملف الفلسطيني والورقة الفلسطينية حيث ان فقدان العرب لها تسبب بانتكاسة عربية بقيت اثارها ماثلة حتى يومنا هذا لأنها كانت تشكل مصدر قوة لآي نظام عربي ومن هنا من المفترض ان تعود القضية الفلسطينية الى عمقها القومي وتبقى ورقة قوة بيد العرب وسلاحا مسلطا لاستعادة كافة الحقوق العربية.
نعم من المفترض ان يكون سقف التوقعات مرتفعا لأنها قمة استثنائية فرضتها الكثير من المعطيات بما فيها التحولات والتغيرات الاقليمية والدولية المتسارعة حيث ان هذه المرحلة هي من اكثر المراحل سخونة وحساسية نتيجة الظروف الدولية وسياسة الاستقطاب والتغيرات التي طرأت على المعادلة الدولية والتي تأثرت بها الكثير من دول العالم وبدأت مرحلة البحث عن موقعها في الخريطة السياسية الدولية التي تتشكل. هذه المعطيات يجب استغلاها عربيا بما يخدم الامة العربية والخروج بنتائج تحتم علينا توجيه البوصلة باتجاه المصالح العربية وإعادة وحدة الصف العربي ومواجهة التحديات وتسوية الخلافات العربية في ظل التدخلات الخارجية والتداخلات في طبيعة العلاقات العربية – العربية ويعطي ايضا نوعا من الاستقلال في القرار السياسي الذي كان مصادرا لعقود طويلة من الزمن وهذا يقودنا الى الايمان بقدراتنا في العمل على اخراج المنطقة العربية من دائرة الهيمنة الدولية والإقليمية وإعادة السيادة المسلوبة لبعض الاقطار العربية. ويجب ان تختلف مخرجات هذه القمة عن سابقاتها من القمم التي غلب على مضامينها طابع الروتين والعشوائية وازدياد الخلافات وإضعاف الجبهة الداخلية العربية مما تسبب في انهيار النظام العربي الرسمي.
العرب امام مفترق طرق وبات المطلوب الخروج بقرارات استراتيجية وتاريخية تعيد للأمة العربية اهميتها ودورها في المعادلة الدولية فمقومات وحدة القرار السياسي تكمن في تراكم القوة والنفوذ التي تعطي العرب خاصية امتلاك القرار المؤثر في السياسة الدولية.