نابلس / PNN / وصال ابو عليا - تصوير محمد نوفل - مع نهاية موسم قطف الزيتون في فلسطين نهاية شهر نوفمبر وبداية ديسمبر في كل عام يقوم الشاب نضال اسمر من قرية روجيب بمحافظة نابلس شمال الضفة الغربية بتجسيد الواقع الفلسطيني من خلال فنه المتميز بحبات الزيتون التي يشكل بها لوحاته الفنية تعكس حياة ومعاناة الفلسطينيين جراء ممارسات الاحتلال حيث يختار في كل عام موضوعا يمثل هذه الحياة تحت الاحتلال.
البدايات : لوحات تعكس الفرح بموسم قطف الزيتون
في بدايات رحلته الفنية من حبات الزيتون صنع نضال لوحة من مجموعة من ثمار الزيتون، رصفها إلى جانب بعضها بعضاً، كي تحاكي رحلةَ عائلة، وهي في طريقها لقطف الزيتون. ووضع ثمرة صغيرةً فوق ثمرة كبيرةٍ، وكأنها "أبٌ يحمل طفله على كتفيه". كما صنع لوحة من ثمرتين، إحداهما زيتونة سوداء، تمسِك بيد الزيتونة الأخرى الخضراء، وحبة ثالثة ترفع يديها للأعلى، إذ تبدي حماسة وفرحاً بالموسم.
وعن بداياته يقول الشاب الأسمر 33 عاما من قرية روجيب شرق نابلس في حديثه مع مراسلة شبكة PNN انه اعتاد أن يقوم بذلك مع انتهاء الموسم كل عام، لكنه خلال السنوات الأخيرة تطورت المشاهد التي يجسدها وشهدت اختلافا، وبدأ عام 2011 يوثق ما يجسده ويصور ما يصنع، الأمر الذي أحدث تفاعلا من الأهل والأصدقاء الذين أصبحوا ينتظرون لوحاته كل موسم.
بعد سنوات يتحول من الفرح بالموسم للفت المعاناة لقضايا شعبنا
وفي عام 2019 اتخذ منحنى آخر، وبدأ يحظى بالشهرة، وذلك بعد أن هدم جيش الاحتلال منزلا لأسير في قريته، فداهمته فكرة أن يعبر عن هذا المشهد لهدم المنزل، فيقول: "عملت خيمة وركام وحبات زيتون بأشكال تظهر أنه حزين"، ويضيف أوصلت رسالة للعالم من خلال حبات الزيتون عن عملية الهدم للمنزل.
ويتمير الاسمر من خلال فنه الخاص والمرتبط بالموروث الثقافي والتراثي الفلسطيني بصنع مجسمات فنية من ثمار الزيتون، حيث يقوم بالرسم على الزيتون فى صورة بشرية ويصنع منها شخصيات، ويجعلها ترفع العلم الفلسطيني وتلبس كمامات تماشيًا مع تفشي الفيروس فى بلاده.
نضال الذي يعمل في مهنة تركيب البلاط، يشارك عائلته كل سنة، موسم قطف ثمار الزيتون. وكان في كل ليلة من ليالي الموسم، يعود بعدد من ثمار الزيتون إلى البيت، ويمضي وقتاً في تحويلها إلى ما يشبه الشخصيات في أوضاع مختلفة، ليشكل منها لوحات تحمل دلالات معينة، ذات علاقة بهذا الموسم الزراعي السنوي في الأراضي الفلسطينية.
هذا العام : الموسم مختلف والحرب عنوان اللوحات
وفي هذا العام وفي ظل حرب الابادة جسد الفنان الشاب نضال اسمر نماذج من معاناة شعبنا بحبات الزيتون حيث جسد جرائم الاحتلال بحق شعبنا وركز في لوحاته على احداث واعتداءات لاقت رواجا في الاعلام مثل استهداف الصحفيين والدفاع المدني وقصص عن استهداف الاطفال.
يقول الأسمر هذا العام والعام الماضي كان الوضع مختلفا نتيجة لمعاناة أهلنا في قطاع غزة، فكانت مشاهده حصاد لكل هذه المعاناة، فجسد طواقم الدفاع المدني والأطباء والصحافيين.
تفاعل مع من جسد معاناتهم
كما عبر اسمر عن معاناة أشخاص بما حدث معهم، ومنهم الصحافي وائل الدحدوح الذي استشهد عدد من أبناء عائلته، وكذلك الحاج الذي اشتهر بروح الروح بعد فقدانه لحفيدته جراء قصف الاحتلال لقطاع غزة.
أما اللوحة الأكثر تأثيرا وفقا للأسمر فهي تلك التي عبر فيها عن غزة، فبعد عام من حرب الإبادة جسد لوحة الأنقاض والشهداء، وكتب عليه باللغتين العربية والإنجليزية لتمثل حبة الزيتون تعبيرا عن معاناة شعبنا بكل تجلياتها.
وعن ردات الفعل هذه والتفاعل مع لوحاته يقول نضال: "لقد كانت ردات الفعل مشجعة، إذ إنّ معظم الناس شجّعوني على تطوير عملي. لكنني أؤكد مجدداً، أن الأمر كله ليس إلا تسلية". ويوضح نضال أن هذه الأعمال الفنية "كنت أقوم بها ليلاً، بعد عودتي من العمل في الحقل".
يشير الشاب الأسمر إلى أنه كان يتفاجأ في كثير من الأحيان أن المشاهد التي كان يصورها بعد انجازها، يقوم الأشخاص ممن يتحدث عن معاناتهم بنشرها على مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بهم، لا سيما من هم في قطاع غزة.
عقبات يامل بحلها وطموح بالوصول للعالمية
في ختام حديثه مع شبكة PNN يؤكد نضال الأسمر بأن لديه طموح في أن يستطيع أن يحتفظ باللوحات التي يجسدها، لأن ما يقوم به، يدوم فقط ثلاثة أيام كحد أقصى، حيث تذبل حبات الزيتون وينتهي كل شيء، لذلك يطمح بحفظ ما يقوم به، حتى يتمكن من عرضها متى يشاء، في معارض، أو في المتحف الفلسطيني بشكل خاص.
ويقول إن العائق الأكبر الذي يواجهه هو عدم حصوله أو تمكنه من معرفة المادة التي تحفظ حبات الزيتون، معربا عن أمله أن يكون هناك جمعية أو مؤسسة تساعده في ذلك.
واختتم الشاب الأسمر حديثه بالقول: "أحلم أن تصل لوحاتي للعالمية".
تم انتاج هذه القصة ضمن برنامج قريب الذي تنفذه الوكالة الفرنسية للتنمية الاعلامية CFI بالشراكة وتمويل الوكالة الفرنسية للتعاون الدولي AFD.