الشريط الاخباري

الشيف فادي قطان: نكهات فلسطين، رسائل تراثية وسياسية مطبوخة بالأرض والذاكرة شاهد PNN فيديو

نشر بتاريخ: 28-12-2024 | برامجنا التلفزيونية , ثقافة وفنون , تقارير مصورة , قناديل من بلدي , قصص "قريب"
News Main Image

بيت لحم / PNN/ في قلب مدينة بيت لحم، حيث الأرض تتنفس التاريخ وتعبق بكل ذكرى، وُلد فادي قطان، الذي أصبح اليوم أحد أشهر الطهاة الفلسطينيين على مستوى العالم. فادي لا يطبخ فقط، بل هو سفيرٌ للمطبخ الفلسطيني، يحمل نكهاته وتاريخه في كل طبق، ويُرسل رسائل محملة بالذاكرة إلى العالم من خلال وصفاته. من بيت لحم إلى لندن وتورونتو، حمل فادي "فلسطين" في اطباقه ، وجعل المطبخ الفلسطيني جزءًا من هويته في كل مكان.

كانت البداية في مطبخ جدته، حيث تعلم فادي أسرار الطهي الفلسطيني التي كانت تُنقل عبر الأجيال. كانت والدته وجدته هما المعلمتان الأساسيتان في تعلمه فنون الطبخ، حيث كان المطبخ الفلسطيني يعتمد على الموروث الشفوي. فكل وصفة كان يكتسبها من جدته ووالدته تحمل نكهة مميزة، صبغة خاصة تميز كل بيت فلسطيني، تختلف باختلاف الأسلوب والأدوات لكن الجوهر يبقى واحدًا. في كل اتصال له مع أمه، يعود ليطلب وصفة جديدة أو نصيحة قديمة، ليعزز بذلك الرابط بينه وبين أرضه وأهله.

بعد سنوات من العمل في فرنسا، عاد فادي إلى بيت لحم، لكنه وجد أن الحال قد تغيّر. مع بداية الانتفاضة الثانية، أغلقت الكثير من الأماكن التجارية، فعمل في مجالات أخرى قبل أن يفتح مطعمًا خاصًا به في بيت لحم أسماه "فوضى". كان هذا المطعم بمثابة نقطة انطلاق جديدة له، إذ قرر أن يعكس في مطعمه روح المطبخ الفلسطيني الأصلي، وهو يطبخ ليستضيف الناس كما اعتاد الفلسطينيون دائمًا، من خلال طعامٍ يوحد الجميع ويعبّر عن هويتهم.

كانت قضية المطبخ الفلسطيني بالنسبة لفادي أبعد من مجرد إعداد الطعام، كانت مسألة هوية. "المطبخ هو هويتنا الفلسطينية"، هكذا يقول فادي، موضحًا أن الطعام الفلسطيني لا يُطبخ فقط من أجل التذوق، بل هو جزء من المعركة الثقافية مع الاحتلال. فعندما يسرق الاحتلال نكهات زيت الزيتون أو يحرف قصة الكنافة، فهو لا يسرق الطعام فحسب، بل يسرق ذاكرة شعب بأكمله. هذا الطعام هو الرابط بين الفلسطينيين وأرضهم، هو الحكاية التي لم تُكتب بل رُويت عبر الأجيال.

وقد تجسد هذا الفهم العميق لهوية الطعام الفلسطيني في كتابه "بيت لحم"، الذي بدأ بكتابته منذ ثلاث سنوات. الكتاب، الذي يتناول قصصًا عن حياة أهل بيت لحم، وعن المطبخ الفلسطيني من خلال وصفات تقليدية وتاريخية، وجد صدى كبيرًا في أرجاء العالم. الكتاب تم ترجمته إلى عدة لغات، وحصل على جائزة "أفضل 20 كتاب طهي" من صحيفة لوس أنجلوس تايمز، وهو ما لم يكن فادي يتوقعه، لكنه كان يؤمن دومًا أن المطبخ الفلسطيني هو الوسيلة الأقوى لتوصيل رسائل شعبه. في الكتاب، 

و يروي فادي  الذي يعمل في مطبخه في البلدة القديمة وسط مدينة بيت لحم قصصًا عن عائلات وأشخاص من بيت لحم، مثل خالته أم نبيل التي تبيع الأعشاب منذ أربعين عامًا في السوق، وأولاد نتشة الذين يعملون في بيع اللحم في المدينة. يذكرنا الكتاب بكيف أن مدينة بيت لحم ليست مجرد مدينة سياحية كما يراها الكثيرون، بل هي مكان نابض بالحياة والتاريخ، وهي مزيج من الثقافات والقصص.

لكن فادي لا يكتفي بتقديم وصفات الطعام فقط، بل يربطها بتاريخ فلسطيني طويل وعريق. يتحدث في كتابه عن برتقال يافا، الذي يعتبره حلمًا للطعم، ويتحدث عن الكنافة الفلسطينية، التي تُمثل جزءًا من هوية الشعب الفلسطيني والتي لا يمكن لأي وصفة من الخارج أن تحاكي طعمها الأصلي. والمثير أن فادي، برغم تواجده في المهجر في لندن وكندا، لا يتنازل عن استخدام النكهات الفلسطينية الأصلية. يحضر السماق والزهرات والنبيذ الفلسطيني ليمزجها مع المكونات المحلية أينما كان. هو لا يتحدث فقط عن الطعام، بل يروي أيضًا قصة الأرض الفلسطينية التي لا يمكن اختصارها في حدود أو جدران.

ومع مرور الزمن، أصبح كتاب "بيت لحم" أكثر من مجرد كتاب طهي، بل هو وثيقة تاريخية ثقافية، تحمل في طياتها الكثير من القصص والحكايات عن الفلسطينيين في الشتات. فادي يروي في كتابه عن شخص تواصل معه من أستراليا، يسأل عن وصفة فلسطينية كانت جدته قد حفظتها من بلدة جفنا، وهو الذي لا يستطيع أن يأتي إلى فلسطين بسبب الحواجز والجدار العنصري. وهذا يمثل صورة حية للطعام الذي يقرب المسافات بين الناس ويُبقي على الذاكرة حية.

ومع بداية حرب 7 أكتوبر 2023، حيث كانت فلسطين تُعاني من المجازر في غزة والضفة، وجد فادي نفسه في موقف صعب وهو يفكر في كيفية نشر كتابه وسط هذه المأساة. ولكنّه كان على يقين أن الطعام هو وسيلة قوية لنقل رسائل شعبه إلى العالم. 

في حديثه عن النبيذ الفلسطيني، يذكر فادي كيف أن الفلسطينيين كانوا يزرعون العنب منذ العصور القديمة، وكيف كان النبيذ الفلسطيني يُصدر من ميناء غزة إلى العالم، ويقول بفخر: "نحن أقدم شعب زرع العنب وصنع النبيذ، نحن من بدأنا هذه الحكاية، ولن تُسرق منا هذه الذاكرة."

وفي النهاية، يظل فادي قطان يطبخ ليس فقط من أجل متعة الطعام، بل ليحافظ على ذاكرة شعبه، وليرسل للعالم رسالة مفادها أن الطعام الفلسطيني هو أكثر من مجرد طعام، هو رمز للهوية والصمود، هو قصة أرض وشعب لا يزالون يعيشون رغم كل المحاولات لتغييبهم.

تم انتاج هذه القصة ضمن برنامج قريب الذي تنفذه الوكالة الفرنسية للتنمية الاعلامية CFI بالشراكة وتمويل الوكالة الفرنسية للتعاون الدولي AFD.

 

شارك هذا الخبر!