غزة – PNN - في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2025، تدخل الحرب في قطاع غزة عامها الثالث، مسجلةً كأطول وأعنف صراع يشهده القطاع منذ عقود، وسط استمرار العدوان الإسرائيلي، وتعقيد غير مسبوق في مسارات التفاوض، ومأساة إنسانية متفاقمة راح ضحيتها أكثر من 67 ألف فلسطيني، معظمهم من المدنيين.
فقد تفوقت هذه الحرب على جولات سابقة من حيث المدة والخسائر. فبينما استمرت حرب 2008 نحو ثلاثة أسابيع، ودامت حرب 2014 خمسين يوماً، دخلت المواجهة الحالية عامها الثالث، لتُصنَّف كأكثر الحروب دموية وتدميرًا في تاريخ غزة.
امتدت تداعيات الحرب إلى ما هو أبعد من غزة، لتُحدث تغييرات عميقة في الخارطة الجيوسياسية للشرق الأوسط. فقد تراجع نفوذ "حزب الله" في جنوب لبنان بعد تصعيد ميداني غير مسبوق، فيما ضعُف موقف النظام السوري على وقع التطورات الإقليمية، ممهّدًا الطريق لمرحلة سياسية انتقالية في دمشق.
في المقابل، وسّعت إسرائيل من نطاق عمليّاتها الإقليمية، لتصل إلى داخل الأراضي الإيرانية، حيث شنّت في يونيو الماضي عملية عسكرية خاطفة ضد مواقع تصفها بـ"التهديدات الإيرانية المباشرة"، بدعم ضمني من قوى غربية.
تجري منذ أشهر مفاوضات غير مباشرة بين إسرائيل وحركة حماس، بوساطة مصرية وقطرية، وتنخرط فيها الإدارة الأميركية بقيادة الرئيس دونالد ترامب، الذي يروّج لخطة سلام من 20 بندًا، تشمل وقفًا دائمًا لإطلاق النار، تبادلًا شاملًا للأسرى، انسحابًا تدريجيًا للقوات الإسرائيلية، وتسليم إدارة القطاع إلى حكومة كفاءات فلسطينية مستقلة.
ويرى ترامب في هذا الاتفاق فرصة تاريخية لتحقيق "سلام في الشرق الأوسط"، ملمحًا إلى أن نجاحه قد يمهّد الطريق لنيل جائزة نوبل للسلام.
لكن المفاوضات لا تزال متعثّرة بفعل شروط متناقضة. فبينما تصرّ إسرائيل على "نزع كامل لسلاح حماس واستسلام غير مشروط"، ترفض الحركة هذا الطرح، وتعتبره محاولة لإقصائها من المشهد السياسي والعسكري، وتسعى لإشراك الفصائل الفلسطينية في أي ترتيبات مستقبلية.
في إسرائيل، لم تسلم الحكومة من تداعيات الحرب. فقد ساهم استمرار العمليات العسكرية في تفاقم الأزمة الاقتصادية، إذ تشير التقديرات إلى أن كلفة الحرب تجاوزت 100 مليار دولار، مع انكماش حاد في قطاعات السياحة والعقارات والطاقة والتكنولوجيا.
وعلى الصعيد الداخلي، يواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ضغوطًا متزايدة، مع استمرار محاكمته بتهم فساد، وتزايد التظاهرات المطالبة بوقف الحرب والتوصل إلى صفقة تبادل أسرى، في ظل الغضب الشعبي من ارتفاع عدد القتلى والجنود المحتجزين في غزة.
تستمر الحرب في إحداث دمار شامل في قطاع غزة. ووفقًا لأحدث أرقام وزارة الصحة في غزة – المعتمدة من الأمم المتحدة – فقد ارتفع عدد الشهداء إلى أكثر من 67,000، بينما أصيب أكثر من 169,000، نسبة كبيرة منهم من النساء والأطفال. وسُجّلت وفاة 460 فلسطينيًا إضافيًا بسبب المجاعة الناتجة عن الحصار، منهم 154 طفلاً.
كما تعاني غزة من دمار شبه كامل في البنية التحتية، حيث دُمّرت مئات المستشفيات والمدارس ودور العبادة، فيما يعيش مئات الآلاف من الفلسطينيين في العراء أو في مخيمات مؤقتة تفتقر لأبسط مقوّمات الحياة.
في خضم المفاوضات، أكدت حركة حماس أن نزع سلاحها يعني إنهاء وجودها، وترفض تقديم "استسلام مجاني"، معتبرة أن إسرائيل تسعى لتحقيق نصر سياسي بعد فشلها في الحسم الميداني.
وترى الحركة أن الحل يجب أن يكون ضمن مقاربة فلسطينية شاملة، وليس بشروط إسرائيلية منفردة، مطالبة بضمانات دولية لرفع الحصار، وإعادة إعمار القطاع، والإفراج عن الأسرى الفلسطينيين.
مع دخول الحرب عامها الثالث، تتعمق الأزمة في غزة على المستويين الإنساني والسياسي، وسط سباق بين الجهود الدولية المتعثرة والميدان المشتعل. وبينما يأمل البعض في انفراجة قريبة، يبقى مصير القطاع رهين مفاوضات شائكة، وشروط قاسية قد لا تقود إلى سلام شامل في المدى القريب.