رام الله /PNN / سلّط برنامج "صوت الشباب" عبر شبكة وطن الإعلامية الضوء على واحدة من أكثر القضايا إلحاحًا في المجتمع الفلسطيني، وهي حرمان الشباب والشابات من ذوي الإعاقة من حقهم في العمل اللائق، رغم وجود قوانين وطنية واتفاقيات دولية تكفل هذا الحق دون تمييز.
الحلقة ناقشت واقعًا معقّدًا يعيشه آلاف الأشخاص ذوي الإعاقة في فلسطين، حيث تتحول الإعاقة من حالة إنسانية إلى عائق أمام الكرامة والاستقلال الاقتصادي، في ظل سوق عمل غير مهيأ، وضعف في تطبيق القوانين، ونظرة مجتمعية ما زالت قاصرة.
قصة أميرة أبو عرقوب: الكفاءة تُقصى بسبب الإعاقة
رفض وظيفي بعد الكشف عن الإعاقة البصرية
روت أميرة أبو عرقوب، ناشطة شبابية ورئيسة مجلس إدارة جمعية “بهمتكم الشبابية”، وطالبة ماجستير تنمية مجتمعية في جامعة بيرزيت، تجربة شخصية تعكس حجم التمييز.
أميرة، الحاصلة على بكالوريوس لغة إنجليزية وآدابها، تقدمت للعمل في مركز لغات لتدريس اللغة الإنجليزية عن بُعد، واجتازت المقابلة الصوتية بنجاح، قبل أن يتم رفضها فورًا بعد الكشف عن إعاقتها البصرية وطلبها تهيئة المادة التعليمية بما يتناسب مع البرامج الناطقة.
وقالت إن الرفض شكّل صدمة وإحباطًا كبيرًا، خاصة وأنه جاء في أول تجربة عمل بعد التخرج، مؤكدة أن ما حدث معها ليس حالة فردية بل واقع متكرر.
التمييز ظاهرة عامة لا استثناء
مجدي مرعي: ما حدث مع أميرة نموذج شائع
من جانبه، أكد الأستاذ مجدي مرعي، الأمين العام للاتحاد العام للأشخاص ذوي الإعاقة، أن ما تعرضت له أميرة يُعد نموذجًا شائعًا، خاصة تجاه الأشخاص ذوي الإعاقات السمعية والبصرية.
وأوضح أن السبب الرئيسي يعود إلى الوصم الاجتماعي والنظرة السلبية المسبقة، حيث يتم التشكيك بقدرات الأشخاص ذوي الإعاقة قبل منحهم فرصة حقيقية لإثبات كفاءتهم.
من البحث عن وظيفة إلى الإقصاء الممنهج
أشارت الحلقة وفقا للضيوف إلى أن التحديات لا تقتصر على الحصول على فرصة عمل، بل تمتد إلى غياب معايير العمل اللائق، مثل:
• أجور أقل من الحد الأدنى
• ساعات عمل غير مرنة
• غياب التأمين الصحي
• عدم توفير الترتيبات التيسيرية المعقولة
• ضعف النفاذية الرقمية داخل المؤسسات
وهو ما يجعل العديد من الشباب والشابات من ذوي الإعاقة عرضة للاستغلال أو الانسحاب القسري من سوق العمل.
انتهاكات داخل بيئة العمل
توظيف شكلي وحرمان من التدرج الوظيفي

وأكد الضيفان وجود أشكال متنوعة للانتهاكات داخل بيئية العمل من بينها:
• التوظيف الشكلي دون مهام حقيقية
• إقصاء من فرق العمل
• عدم العدالة في الرواتب
• استغلال حاجة الشخص للوظيفة بدفع أجر أقل
• حرمان من الترقية والوصول إلى مناصب إدارية عليا
وأكدت أميرة أن الأشخاص ذوي الإعاقة نادرًا ما يصلون إلى مواقع صنع القرار داخل المؤسسات، ويقتصر حضورهم غالبًا على وظائف هامشية.
غياب التهيئة والنفاذية الرقمية
أجمع الضيفان على أن عدم مواءمة بيئات العمل، سواء من حيث البنية التحتية أو الأنظمة الإلكترونية، يشكل عائقًا رئيسيًا، خصوصًا للأشخاص ذوي الإعاقة البصرية، الذين يواجهون صعوبة في استخدام أنظمة داخلية غير مهيأة، ما يؤدي أحيانًا إلى انتهاك خصوصيتهم والاعتماد القسري على الزملاء.
أرقام مقلقة: البطالة تتجاوز 60%
كشف مجدي مرعي أن نسبة البطالة بين الأشخاص ذوي الإعاقة في فلسطين تتجاوز 60%، وفق تقديرات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، وهي نسبة آخذة بالارتفاع، خاصة مع ازدياد أعداد الأشخاص ذوي الإعاقة نتيجة الإصابات والاعتداءات.
وأشار إلى أن قطاع غزة وحده يضم أكثر من 100 ألف شخص من ذوي الإعاقة بعد الحرب، إضافة إلى عشرات الآلاف في الضفة الغربية.
من المسؤول؟ "الجميع… بلا استثناء"
اتفقت أميرة أبو عرقوب ومجدي مرعي على أن المسؤولية تشمل الجميع:
• القطاع الخاص
• القطاع الأهلي
• القطاع الحكومي
• مؤسسات المجتمع المدني
• الإعلام
وأكدت أميرة أن بعثرة الجهود وغياب التنسيق يفاقمان الأزمة، في حين أقر مرعي بوجود تقصير حتى من قبل الاتحاد، لكنه شدد على محدودية الإمكانيات مقارنة بحجم الاحتياج.
الحلول: من التطبيق إلى الابتكار
تفعيل القوانين والاستفادة من الذكاء الاصطناعي
وطرح الضيفان خلال الحلقة مجموعة من الحلول، أبرزها:
• التطبيق الفعلي للقوانين دون استثناء
• تعزيز الرقابة والمحاسبة
• توفير برامج تدريب مهني مخصصة
• تهيئة بيئات العمل والنفاذية الرقمية
• الاستفادة من الذكاء الاصطناعي (AI) كمدخل لخلق فرص عمل جديدة ومشاريع مستقلة للأشخاص ذوي الإعاقة
وأكد الضيوف أن التكنولوجيا يمكن أن تكون أداة تمكين حقيقية إذا ما تم الاستثمار فيها بشكل عادل وشامل.
العمل اللائق حق لا صدقة
اختُتمت الحلقة بالتأكيد على أن حرمان الشباب والشابات من ذوي الإعاقة من العمل اللائق ليس قدرًا محتومًا، بل نتيجة سياسات مقصّرة، ونظرة مجتمعية تحتاج إلى تصحيح، وقوانين لم تُنفذ بعد.
فالعدالة الاجتماعية، كما شدد البرنامج، لا تكتمل ما لم تشمل الجميع دون استثناء.