بقلم/ خالد معالي
تتوالى صور التضحية والبطولة؛ على يد من باعوا دنياهم واشتروا آخرتهم؛ مع تواصل انتفاضة القدس في شهرها الثالث دون توقف أو تراجع؛ بل زيادة زخمها وتصاعد وتيرتها؛ مع كل عملة دهس أو طعن أو إطلاق نار، ومع كل شهيد يسقط ويخط الطريق ويفسحها ويسهلها لمن بعده ليلحقوا به.
عائلة أرشيد في الخليل؛ شكلت نموذجا للبطولة والتضحية قل مثيلها؛ حيث استشهد الشاب عدي جهاد ارشيد (22 عاما) برصاصة في الصدر؛ ليلتحق بشقيقته الشهيدة دانية التي استشهدت هي الأخرى؛ بدعوى محاولتها طعن احد جنود الاحتلال قبل شهر ونصف تقريبا ليعانقا الشهادة ببطولة رائعة قل نظيرها.
الحزن لا بد منه لفراق الأحبة شهداء؛ ولكن مع وجود احتلال لا بد من التضحية للتخلص منه؛ وتقديم الأرواح رخيصة في سبيل الله وتحرير الوطن؛ وهو واجب كل حر وشريف، يقبل على الشهادة بفرح وإصرار عجيب؛ فقتلى الاحتلال لجهنم، وقتلى الحرية والجهاد والدفاع عن الأوطان هم شهداء أحياء عند ربهم يرزقون؛ وهذا الأمر لا يفهمه " نتنياهو" ولا يريد أن يفهمه أو يعترف به.
الفخر بنيل الشهادة كان لسان حال والد ووالدة الشهيد عدي والشهيدة دانية أرشيد في الخليل؛ وهما يعتزان بنيل عدي ودانية الشهادة، فمن يحرص على الخير وحب الآخرة لا يأبه لمتاع الدنيا وآلامها وأوجاعها؛ كونها لحظية وفانية.
مع كل شهيد وشهيدة يسقط؛ يكون سبب لارتفاع معنويات من بعده من شباب الانتفاضة في شهرها الثالث، ومع كل قطرة دم تسقط تلهب مشاعر المنتفضين؛ بعكس ما يتصور ويريد الاحتلال من إخماد انتفاضة القدس؛ بالمزيد من القتل والاعتقال وإغلاق الطرق، وزيادة الحواجز والمصادرات.
من صور البطولة والتحدي والنصر؛ أن تستقبل أم الشهيد خبر استشهاد ابنها بزغرودة، وتحمد الله، وان تفتخر بنيله الشهادة.
في استطلاع الرأي اجري مؤخرا تبين أن قطاع وشريحة الشباب مع استمرار انتفاضة القدس ، وتطويرها وصولا لان تصبح أكثر من عمليات طعن ودهس وإطلاق نار لتصل إلى مرحلة العمليات الاستشهادية، التي يخشاها الاحتلال؛ وهذا منوط بعوامل كثيرة معقدة، وبقيادات الفعل الانتفاضي وتقديراتهم، وهو ما سيحصل كنتيجة منطقية؛ إن أصر "نتنياهو" على مواصلة الإعدامات الميدانية لأطفال بعمر الزهور وعدم إنهاء الاحتلال والقتل والبطش والتنكيل .
بالنظر لنوعية هتافات المشيعين لجنازة الشهيد عدي ترينا مدى تمسك الشباب بانتفاضتهم ومطالبهم بتطويرها؛ حيث هتفوا :" "يا الله يا جبار.. تل أبيب تولع نار"، و"عالمكشوف وعالمكشوف.. عملاء ما بدنا نشوف"، و"الانتقام الانتقام.. يا كتائب القسام".
ومن صور البطولة أيضا أن تقوم أم الشهيد ووالد الشهيد وأخت الشهيد بتوزيع الحلوى خلال استقبال المهنئين بنيل الشهادة، فما عاد هناك خوف من الموت أو من جنود الاحتلال المدججين بالسلاح، وما يحصل هو العكس؛ حيث يخاف ويخشى جمود الاحتلال الشباب المنتفضين، وباتوا حتى يخشون الوقوف على الحواجز خشية الدهس، ويحيطون أنفسهم والمستوطنين بمكعبات إسمنتية لدرء مخاوفهم.
سيتواصل تقديم الشهداء لنيل الحرية؛ وستواصل ظلم الاحتلال إلى حين ما؛ ولكن قضت سنة الله في خلقه أن الاحتلال إلى مزابل التاريخ؛ وحتى ذلك الوقت ستحدث أمور عظام وأوجاع؛ ولكن هل هناك طعم للحرية؛ بدون وجع وألم وثمن كبير؟؟!