غزة/PNN-يرى مراقبون فلسطينيون وإسرائيليون أن المسافة بين الهدوء في قطاع غزة واندلاع مواجهة جديدة مع إسرائيل “قصيرة جدا”. ويقول المراقبون، إن التوتر الميداني بين غزة وإسرائيل تصاعدت حدته الأيام الماضية ما ينذر بتفجر موجة تصعيد جديدة أو انفراجة على صعيد رفع الحصار المفروض على القطاع.
شرارة الأحداث الميدانية
اندلعت يوم السبت مواجهات بين عشرات الشبان الفلسطينيين وقوات الجيش الإسرائيلي على السياج الفاصل شرق مدينة غزة هي الأعنف منذ وقف مسيرات العودة الشعبية قبل عامين. وأدت المواجهات العنيفة لإصابة 41 فلسطينيا بينهم 10 أطفال أحدهم (13 عاما) بجروح حرجة وفق مصادر طبية فلسطينية، في وقت أعلن الجيش الإسرائيلي إصابة أحد عناصره بجروح بالغة جراء إطلاق النار عليه من مسافة قصيرة فيما لم تعلن أي جهة فلسطينية مسؤوليتها عنها. ولاحقا رد الجيش الإسرائيلي على الحادثة بقصف مواقع عسكرية تتبع لكتائب القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في مناطق مختلفة في القطاع هي الأعنف منذ وقف موجة التوتر الأخيرة في ايار الماضي. وهدد رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، في مستهل جلسة حكومته الأسبوعية أن إسرائيل “ستصفي الحساب” مع الذين هاجموا الجنود والمواطنين الإسرائيليين. وقال بينيت إن الجيش رد بهجوم واسع إلى حد ما في غزة، وأجريت تقييما للوضع الأسبوع الماضي في فرقة غزة مع وزير الدفاع ورئيس الأركان ويمكنني أن أبلغكم أن الجيش مستعد لأي سيناريو. وتزامن التوتر مع تنظيم الفصائل الفلسطينية في غزة مهرجانا شعبيا في مخيم العودة شرق المدينة بمناسبة الذكرى الـ52 لحرق المسجد الأقصى والمطالبة برفع الحصار المفروض على القطاع وإعادة إعماره. وجاءت الأحداث المتسارعة بعد أيام من إعلان إسرائيل التوصل إلى اتفاق لاستئناف إدخال المنحة القطرية إلى القطاع بعد نحو 3 أشهر من توقفها خلال عملية (حارس الأسوار/ سيف القدس) في ايار الماضي.
التصعيد أقرب من التهدئة
ويقول المحلل السياسي من غزة حسام الدجني إن الواقع الإنساني والمؤشرات في القطاع تدلل على أن الأمور قد تنفجر حتى لو لم يكن ذلك رغبة الفصائل الفلسطينية المسلحة أو الحكومة الإسرائيلية. ويضيف أن الوضع الإنساني في غزة “لم يعد يحتمل” وما جرى من مواجهات بين الشبان الفلسطينيين الغاضبين وقوات الجيش الإسرائيلي رسالة لإسرائيل بأن الواقع “ينذر بالانفجار”. ويتابع أن الحكومة الإسرائيلية “تتلكأ” في تنفيذ التفاهمات برفع الحصار عن غزة وإعادة إعمار القطاع من خلال ربطها في صفقة شاملة تؤدي إلى هدنة طويلة الأمد عبر ربط هذا المسار بصفقة تبادل للجنود الإسرائيليين في غزة تريدها الفصائل الفلسطينية منفصلة عن كل الملفات. ويشير الدجني إلى أن الوضع الإنساني الصعب يضغط على الفصائل الفلسطينية للبحث عن مخرج ولن تجد إلا التدرج بالمقاومة الشعبية السلمية على الحدود ولكن لن تستمر طويلا تلقي الرصاص والإصابات. وتطالب الفصائل الفلسطينية بالتزام إسرائيل بتفاهمات سابقة للتهدئة تشمل بدء تنفيذ مشاريع بنى تحتية والسماح بدخول المنحة المالية من قطر للدعم الإنساني في غزة وإدخال مواد البناء للبدء في عملية إعادة الإعمار.
مواصلة العمل الشعبي على حدود غزة
وأكدت الفصائل الفلسطينية في القطاع استمرار الفعاليات الشعبية على الحدود مع إسرائيل حتى “تكف يدها عن الشعب الفلسطيني والضفة الغربية والقدس وكسر الحصار المفروض على القطاع”. وقال بيان للفصائل جرى تلاوته خلال مؤتمر صحفي شرق غزة أمس الاول الأحد إن الفعاليات الشعبية ستمضي وفق خطة ورؤية، داعيا الفلسطينيين إلى المشاركة الواسعة وفق ما تعلنه الفصائل والقوى من فعاليات ومحددات وبما يحقق الأهداف والطموحات المرجوة. ودعا البيان المجتمع الدولي ووسطاء وقف إطلاق النار الأخير في ايار الماضي (مصر وقطر والأمم المتحدة) إلى العمل على إنهاء الأزمة الإنسانية في غزة والتوقف عن “حرمانه وابتزازه إذا أرادوا هدوءا واستقرارا” في المنطقة برمتها.
الوضع في غزة مأساوي
ويقول مصطفى إبراهيم المحلل السياسي من غزة إن الحصار الإسرائيلي المحكم على القطاع الذي يقطنه زهاء مليوني نسمة منذ قرابة 14 عاما أعاده “أعوام طويلة للوراء من التخلف على الصعيد الصناعي والتجاري”. ويضيف أن الواقع في غزة مأساوي ونسب البطالة تزيد عن 55 في المائة والفقر إلى 80 في المائة والقطاع الخاص منهار والصحة في أسوأ حالها، مشيرا إلى أن فئة الشباب والنساء هم من يدفعون ثمنا للحصار الإسرائيلي. ويشير إلى أن إسرائيل تحاول اختزال الحصار المفروض على القطاع ومعاناة سكانه وتدمير حياتهم بمساعدات إنسانية وتسهيلات وترتيبات أمنية والهدوء مقابل الغذاء. ويتابع أن السكان في غزة توقعوا بعد موجة التوتر الأخيرة عدة تغييرات على حياتهم منها فك الحصار كونهم لم يعدوا قادرين على تحمل المزيد من الحروب بحقهم وتقبل استمرار جريمة الحصار وشروط وابتزاز حكومة بينيت. ويعتبر الحصار “غير أخلاقي وغير قانوني ولا إنساني وهو عقاب جماعي بحق مليوني نسمة واختزاله ببعض الأموال إهانة للفلسطينيين وتدمير حياتهم من خلال إغلاق المعابر ومنع حرية الحركة والتنقل والسفر”. وتفرض إسرائيل حصارا مشددا على قطاع غزة منذ منتصف العام 2007 إثر سيطرة حركة حماس على الأوضاع فيه بالقوة. وبجانب الحصار شنت إسرائيل ثلاثة حروب على غزة أعوام 2008 و 2012 و 2014 أوقعت الآلاف الشهداء والجرحى بالإضافة إلى عشرات الجولات من التصعيد أخرها في ايار الماضي استمرت 11 يوما نجحت بعدها مصر بالتوصل لاتفاق وقف إطلاق النار.
الدور المصري لتهدئة الوضع
ويقول الكاتب طلال عوكل من غزة إن مصر تلعب دورا مهما جدا وفاعلا ومؤثرا في الضغط على الفصائل الفلسطينية وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى، مشيرا إلى أن الطرفين لا يمكنهما المغامرة بإغضاب القاهرة وتعطيل دورها. ويضيف أن الحسابات رغم تضاربها لا يمكن أن تقود إلى احتمال قيام إسرائيل بعدوان آخر قريب على غزة ما يرتب عليها أن تحسب خطواتها ليس فقط تجاه القطاع وإنما أيضا تجاه القدس والضفة الغربية. ويرى عوكل أن الوضع قابل للتغير بعد قيام بينيت بزياراته إلى واشنطن ولقاء الرئيس الأمريكي جو بايدن والقاهرة للقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الأيام المقبلة، وفي حال لم تنجح هذه الزيارات في معالجة الملفات الرئيسة التي تعاني منها غزة. وكان رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية عباس كامل زار إسرائيل والضفة الغربية الأسبوع الماضي والتقى المسؤولين في كلا الجانبين وبحث العلاقات الثنائية وتحقيق السلام في المنطقة وتثبيت التهدئة في قطاع غزة. ورعت مصر في 21 ايار الماضي اتفاق تهدئة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية المسلحة في غزة أنهى 11 يوما من القتال والذي أسفر عن استشهاد أكثر من 250 فلسطينيا و مقتل 13 إسرائيليا وفقا لأرقام فلسطينية وإسرائيلية رسمية. وقبل حوالي عشرة أيام أطلق نشطاء من غزة قذيفة صاروخية تجاه الأراضي الإسرائيلية للمرة الأولى منذ وقف التوتر وعلى غير العادة لم ترد إسرائيل في خطوة لاقت انتقادات شديدة لحكومة بينيت الذي صرح فيه أن إسرائيل “ستعمل في الوقت والمكان المناسبين”.
ملف الجنود الإسرائيليين العقبة الرئيسة
ويقول الكاتب والمحلل السياسي الإسرائيلي عاموس هرئيل إن أحد أسباب التوتر والعقبة الرئيسة التي تواجه إحراز مزيد من التقدم اشتراط إسرائيل بأن إعادة إعمار القطاع وتنميته يعتمد على تعزيز حل قضية الأسرى والمفقودين وحلها. ويضيف هرئيل أن التقدم في مشاريع إعادة الإعمار وعودة الحياة إلى طبيعتها كما كان في السابق سيكون محدودا طالما لا توجد تسوية في ملف الجنود الإسرائيليين في غزة.