بقلم: د.رمزي عودة
يتعرض الرئيس أبو مازن في هذه الأثناء لحملة عدائية عنصرية من قبل دوائر صنع القرار في إسرائيل وغيرها من الدول الغربية، وذلك بذريعة تصريحاته التي أُدلى بها خلال مؤتمر صحفي مشترك مع المستشار الألماني أولاف شولتس في برلين. وحاولت هذه الدوائر أن تصور الرئيس على أنه ينكر المحرقة ويدعم الإرهابيين!. وفي الوقت الذي هدفت فيه هذه الدوائر الى إضعاف شرعية الرئيس والمساس بمتانة حكمه، فإن الرياح ليس دائماً تجري بما تشتهي السفن. ففي آخر إستطلاع للرأي قامت به الحملة الاكاديمية الدولية لمناهضة الاحتلال والابرتهايد شمل النخب الاكاديمية والمثقفة، حيث أعربت أغلبية هذه النخب بواقع 61.9% عن إعتقادها بإرتفاع شعبية الرئيس بعد تصريحاته في ألمانيا، كما رأى 61.1% من هذه النخب بأن الموقف الفلسطيني جاء موحداً ومتجانساً في الرد على هذه الحملات العدائية ضد الرئيس، وهو الامر الذي انعكس بوضوح في استقباله الجماهيري عند عودته من ألمانيا كما إنعكس أيضا في بيانات التأييد الصادرة من القوى السياسية المختلفة فلسطينيا وعربيا ودوليا. وفي الواقع، بمكن تعلم عدة دروس مهمة من أزمة تصريحات برلين، وهي:
أولاً: إن الشعب الفلسطيني تماما كباقي الشعوب، يلتف حول قيادته ويتماسك داخلياً اذا ما تم المساس بالكرامة الوطنية من قبل الدول الأجنبية.
ثانياً: إن شعبية الرئيس أبو مازن قد إرتفعت بشكل ملحوظ بعد المؤتمر الصحفي في برلين، حيث ظهر الرئيس في المؤتمر الصحفي بمظهر المدافع عن حقوق الشعب الفلسطيني، والشجاع القادر على فضح جرائم الاحتلال الإسرائيلي معتزاً بمقاومة شعبه لنيل الحرية والاستقلال.
ثالثاً: إن الحملة الإسرائيلية العدوانية ضد تصريحات الرئيس أبو مازن في برلين، ساهمت بشكل مباشر وغير مباشر في إيصال صوت الرئيس للعالم بأسره، والذي فضح جرائم الاحتلال ومجازره ضد الشعب الفلسطيني، حيث وصلت هذه التصريحات الي كافة وسائل الاعلام العالمية وسمعها الملايين.
من الواضح أن الرئيس أبو مازن كان حازماً وشجاعاً في ألمانيا، ويبدو أنه قد نفذ صبره، ولم يعد يحبذ أن يطلق عليه لقب “أيوب فلسطين”. بهذه العبارة أسر لي أحد الدبلوماسيين الأجانب تعقيباً على كلمة الرئيس في المؤتمر الصحفي المشترك مع المستشار الألماني أولاف شولتس في برلين. ويبدو أن تعليق هذا الصحفي أخذته الدوائر الغربية والإسرائيلية بمحمل الجد. فالرئيس الفلسطيني هو الرئيس الوحيد في العالم الذي قال لترامب “لا” عندما سعى لفرض صفقته لتصفية القضية الفلسطينية والتي عرفت بصفقة القرن. والرئيس أبو مازن ما زال يرفض بإصرار وشجاعة الضغوط الدولية عليه لعدم دفع رواتب الاسرى وعائلات الشهداء حتى لو كان الثمن وقف الدعم الغربي أو وقف تحويلات المقاصة للخزينة الفلسطينية. والرئيس أبو مازن دائماً ما يصر على المضي قدماً في بناء الدولة الفلسطينية في شتى المجالات التعليمية والصحية والأمنية والاقتصادية برغم شح الإمكانات ووجود الاحتلال الكولينيالي الاحلالي. وهو أيضا الرئيس الذي يصر على حق العودة للاجئيين الفلسطينيين وإقامة الدولة الفلسطنية وعاصمتها القدس الشرقية برغم محاولات التهويد والتطبيع المستمرة في المنطقة. إنه زعيم المقاومة الشعبية في فلسطين الذي أحرج إسرائيل في المحافل الدولية، ورفع القضايا عليها في الجنائية الدولية، وإنضم لاتفاقيات دولية لم تكن الولايات المتحدة ولا إسرائيل راغبة في إنضمام دولة فلسطين اليها. انه ايقونة المقاومة الشعبية وصاحب نظرية التوافقية في النظام السياسي الفلسطيني، إنه أبو مازن “غاندي فلسطين” وليس أيوبها.
لا عجب أن يصف وزير المالية الإسرائيلي “ليبرمان” الرئيس أبو مازن بأنه إرهابي وأنه أخطر على إسرائيل من حماس والجهاد الإسلامي. ولا عجب أن يصر نيفتالي بينت رئيس وزراء إسرائيل السابق على عدم الالتقاء به طيلة فترة رئاسته للحكومة، لأنه يدرك أنه لن يستطيع أن يزيحه قيد أنملة عن الثوابت الفلسطينية. لقد بدا واضحاً للجميع بأن الرئيس أبو مازن جمع بين حكمة الثوار وبين عنادهم ومقاومتهم للمحتل. ولم يعد الرئيس يطيق صمت العالم أمام الجرائم الإسرائيلية ضد شعبه وإحتلال وطنه. دعا ودعم المقاومة الشعبية ضد الاحتلال، وأنفق الملايين على دعم الجهود الدبلوماسية في الاعتراف بدولة فلسطين. نال احترام العالم وثقته، إحترم القانون الدولي ولكنه أوضح أن إسرائيل هي التي تنهكه، إعتبر السلام طريق الدولة المستقلة، ولكنه أدرك أن اسرائيل ليست شريكا حقيقياً للسلام فدعا الى المقاومة الشعبية، وحقق هو ورفاقه المناضلون الفلسطينيون إنجازات مهمة في الشيخ جراح والخان الأحمر وغيرها من المناطق الفلسطينية التي تتعرض للأبرتهايد. غالباً ما كان يتحدث بجرأة أمام العالم أسره عن سكوت العالم عن “الايكاب الإسرائيلي” وهو المفهوم الذي يلخص سياسات التطهير والتمييز العرقي من قبل الاحتلال الإسرائيلي ضد أبنائه من الشعب الفلسطيني.