الشريط الاخباري

"صفقة" جزئيّة كمقدّمة لتكريس الاحتلال في غزّة

نشر بتاريخ: 10-12-2024 | PNN مختارات
News Main Image

غزة / PNN - يتّضح أكثر وأكثر التصوّر الإسرائيليّ لما يطلق عليه "اليوم التالي" للحرب؛ ففي النصف الثاني لعام العدوان على قطاع غزّة، ظهرت ملامح ومعالم التصوّر الإسرائيليّ لليوم التالي، وهو في الحقيقة اليوم الّذي بدأ منذ الأشهر الأولى للعدوان على غزّة، وتبلورت ملامحه من خلال الجرأة الإسرائيليّة، بسبب التواطؤ الدوليّ والإقليميّ والعربيّ مع العدوان على قطاع غزّة.

لم يكن الرفض الإسرائيليّ لمقترحات وقف إطلاق النار في غزّة نابعًا من طلبات إسرائيل لم تقبلها حماس في المباحثات، ولم يكن إضافة شروط جديدة على المقترحات الّتي قدّمها الوسطاء نابعة من فكرة تحسين شروط التفاوض على وقف إطلاق النار وتحرير الأسرى والرهائن الإسرائيليّين في قطاع غزّة، وإنّما كان نابعًا من أنّ إسرائيل لا تريد وقف الحرب قبل تنفيذ تصوّرها السياسيّ - الأيديولوجيّ في القطاع، فوقف القتال أو الحرب لن يمنح إسرائيل الوقت ولا الخيار لتنفيذ تصوّرها لقطاع غزّة.

على غرار جميع المشاريع الاستيطانيّة الصهيونيّة، حتّى قبل نكبة 1948 وتأسيس دولة إسرائيل، فإنّها تبدأ بفرض حقائق على الأرض تحت ذرائع عسكريّة، والّتي سرعان ما تتحوّل إلى واقع يمهّد للمشاريع السياسيّة الاستعماريّة والاستيطانيّة. والحال في غزّة لن يكون مختلفًا، فبعد فشل الهدف غير المعلن للعدوان على غزّة بتهجير السكّان الفلسطينيّين إلى سيناء في الأشهر الأولى للحرب، بدأت إسرائيل بفرض وقائع عسكريّة، وأهمّها السيطرة على محور "نتسريم"، ومحور صلاح الدين "فيلادلفي"، وتهجير السكّان من شمال القطاع في مسار تحقيق هذا الهدف.

في شباط/ فبراير 2024 نشر نتنياهو مقالًا في "وول ستريت جورنال" حول تصوّره لقطاع غزّة، ووضع محدّدات تصوّره لوقف الحرب، وهي نزع سلاح قطاع غزّة، ونزع التطرّف عن سكّان قطاع غزّة من خلال تغيير مناهج التعليم، ومنع غزّة من أن تكون تهديدًا مستقبليًّا لإسرائيل، وخلق حكم محلّيّ في القطاع، فضلًا عن الحفاظ على حرّيّة العمل العسكريّ والأمنيّ الإسرائيليّ في القطاع.

جاءت السيطرة على محور "نتسريم" كجزء من العمليّات العسكريّة لفصل الشمال عن الجنوب في القطاع، ومنع عودة النازحين للشمال، وقطع خطّ الإمداد العسكريّ لحماس بين المنطقتين. استغلّ نتنياهو بداية هذا الواقع، ووضع شرط السيطرة الإسرائيليّة على المحور كواحدة من الخطوط الحمراء للتوقيع على مقترح لوقف القتال، وبرّر هذا الموقف بأنّه يريد منع عودة المسلّحين إلى الشمال.

وسّع الجيش الإسرائيليّ محور نتسريم ما بين 2-4 كيلومترات، ومن أجل توسيعه وتأمينه هدم الجيش مئات البيوت والمباني الفلسطينيّة في قطاع غزّة، واقتلع الأشجار بعمق 3-4 كيلومترات. بنى الجيش على المحور ثمانية مواقع عسكريّة، أربعة في الشمال وأربعة في جنوب المحور، ويؤمّن المحور آلاف جنود الاحتياط، الّذين ينفّذون عمليّات مداهمة بالقرب من المحور، وينظّمون جولات مراقبة على طوله. وأصبح واضحًا أنّ هذا المحور لم يكن لدواع أمنيّة وعسكريّة فحسب، بل ضمن التصوّر الإسرائيليّ لتهجير السكّان في الشمال وعزله عن جنوب قطاع غزّة.

يتّضح أنّ المباحثات حول وقف إطلاق النار، أو "الصفقة" كما تسمّى في القاموس الإسرائيليّ، منذ أيّار/ مايو الماضي، كانت بهدف كسب الوقت لا أكثر، وكانت إسرائيل تُفشِل كلّ مرّة مقترحًا توافق عليه، لدرجة أنها أفشلت مقترحًا هي اقترحته، والّذي سمّي حتّى "مقترح نتنياهو".

مع تجدّد المباحثات اليوم حول المقترح المصريّ، لن يذهب نتنياهو لاتّفاق وقف إطلاق النار على غرار الاتّفاق مع لبنان، ولا يهتمّ نتنياهو بالأسرى والرهائن الإسرائيليّين، لذلك سيذهب لاتّفاق جزئيّ، أو "صفقة جزئيّة"، يحاول من خلالها إطلاق سراح مجموعة من الرهائن الإسرائيليّين الأحياء لتخفيف حدّة الضغط عليه داخليًّا وخارجيًّا، ولكنّه سينتظر لوقف الحرب حتّى مجيء الإدارة الأميركيّة الجديدة، لأنّه يعتقد أنّ اتّفاق "الوضع النهائيّ" في غزّة سيكون أسهل للتباحث حوله مع ترامب الّذي قد يكرّس الأمر الواقع الّذي فرضته العمليّات العسكريّة الإسرائيليّة. وهو المنطق الّذي انطلقت منه "صفقة القرن"، وهذا يعني أنّ إسرائيل ترمي إلى فرض احتلال عسكريّ على مناطق في قطاع غزّة، وفرض حكمًا عسكريًّا في شمال القطاع، ويلاحظ أنّه المنطق الأمنيّ-السياسيّ الّذي يوجّه إسرائيل في جميع الجبهات، مع لبنان وسوريا، وطبعًا في فرض وقائع منذ سنوات في الضفّة الغربيّة بدون علاقة لعمليّة طوفان الأقصى.

أعتقد أنّ الصفقة الجزئيّة هي جزء من محاولة إسرائيليّة لكسب مزيد من الوقت، ولن تعني وقف الحرب حاليًّا، ولن تعني انسحابًا إسرائيليًّا أو تعهّدًا بانسحاب إسرائيليّ من جميع أراضي قطاع غزّة، فمطمح الحكومة الحاليّة واليمين هو الاحتلال العسكريّ تمهيدًا للاستيطان، حتّى لو صرّح نتنياهو أنّ الاستيطان غير واقعيّ في هذه المرحلة، لكنّنا نعرف المنطق الاستيطانيّ الإسرائيليّ، في الأرض الّتي يتمّ فيها تكريس احتلال عسكريّ يبدأ عمليّة استيطان، وهذا التفكير أصبح واقعيًّا بنظر اليمين في ظلّ غياب رادع دوليّ وعربيّ، ومع مجيء ترامب الّذي احتفل فيه اليمين حرفيًّا.

المصدر / عرب 48 

شارك هذا الخبر!