بيت لحم / PNN - تقرير دينا فؤاد و تقى جوابرة - في خطوة وُصفت بأنها الأخطر منذ سنوات، صادق الكنيست الإسرائيلي على قانون يهدف إلى تسريع تطبيق القوانين الإسرائيلية على المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة، في خطوة اعتبرها مراقبون تمهيدًا فعليًا لضم المنطقة، ونسفًا لما تبقى من آمال بإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
ينص القانون الجديد، الذي أُقر بأغلبية يمينية، على إخضاع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية مباشرة للقانون المدني الإسرائيلي، بدلًا من الوضع القائم الذي تُدار فيه هذه المناطق عبر الإدارة العسكرية. ويرى محللون أن هذه الخطوة تأتي في إطار سياسة "الضم الزاحف" التي تنتهجها حكومة بنيامين نتنياهو، بدعم من وزراء اليمين المتطرف أمثال بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير. ويعتبر مراقبون أن هذا القرار يهدد بتصفية القضية الفلسطينية، ويعرض حياة نحو ما يقارب 3.3 مليون فلسطيني يعيشون في الضفة الغربية للخطر، كما يقود إلى مزيد من التصعيد، ويقضي تمامًا على أي فرصة لتحقيق سلام عادل وشامل وإقامة دولة فلسطينية مستقلة
حل الدولتين يتلاشى
في ظل هذه التطورات، يتلاشى تدريجيًا ما يُعرف بـ"حل الدولتين"، الذي طالما رُوّج له دوليًا كحل للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. إذ لم تعد إسرائيل تنظر إلى الفلسطينيين كشريك في الأرض أو في السلام، بل تسعى لفرض واقع الدولة الواحدة بنظام عنصري لا يمنح الفلسطينيين لا دولة ولا حقوقًا مدنية.
ومع تزايد الأصوات الداعية إلى إعادة النظر في الحلول المطروحة، بما في ذلك خيار الدولة الديمقراطية الواحدة التي تضمن حقوقًا متساوية للفلسطينيين والإسرائيليين، تواصل إسرائيل رفضها لهذا النموذج.
قرار الكنيست الأخير ليس مجرد إجراء قانوني داخلي، بل يمثل رسالة سياسية واضحة مفادها أن إسرائيل ماضية في فرض وقائع لا رجعة عنها على الأرض. ومع استمرار الانقسام الفلسطيني، والصمت الدولي، تدخل الضفة الغربية مرحلة جديدة من الضم والتغييب... دون رادع حقيقي.
الواقع على الأرض: توسع استيطاني وتشريد مستمر
يعيش الفلسطينيون في الضفة الغربية تحت نظام معقد من الاحتلال العسكري الإسرائيلي، والانقسام السياسي الداخلي، وأزمات اقتصادية واجتماعية متفاقمة.
فمنذ احتلال الضفة عام 1967، فرضت إسرائيل سيطرة عسكرية ومدنية مشددة على الأراضي، ما انعكس مباشرة على حياة السكان الفلسطينيين.
يتوزع الفلسطينيون بين مدن، قرى، ومخيمات لاجئين، يعيشون في ظل بنية تحتية غير متكافئة واقتصاد هش يعتمد بشكل كبير على التصاريح الإسرائيلية والتنقل المحدود. ويواجهون يوميًا تحديات متعددة، مثل الحواجز العسكرية المنتشرة، والجدار الفاصل العنصري، والقيود على البناء، والاعتقالات الإدارية المتزايدة، واعتداءات المستوطنين.
التوسع الاستيطاني والتشريد (2019–2024)
خلال السنوات الخمس الأخيرة، شهدت الضفة الغربية تصعيدًا غير مسبوق في النشاط الاستيطاني الإسرائيلي وعمليات التشريد القسري للفلسطينيين، خاصة في المناطق المصنفة "ج" التي تشكل أكثر من 60% من مساحة الضفة.
تواصل سلطات الاحتلال تنفيذ سياسات ممنهجة تهدف إلى إفراغ الأرض من سكانها الفلسطينيين، عبر هدم آلاف المنازل والمنشآت بحجة "البناء غير المرخّص"، رغم أن الحصول على التراخيص في تلك المناطق يكاد يكون مستحيلاً.
كما استهدفت هذه السياسات التجمعات البدوية، مثل الخان الأحمرقرب الأغوار ومسافر يطا جنوب الخليل ، حيث تعرضت مئات العائلات للتهديد بالتهجير القسري أو نُفذ بحقها التهجير فعليًا. إلى جانب ذلك، تصاعد عنف المستوطنين في السنوات الأخيرة، من خلال شن هجمات منظمة على القرى الفلسطينية، شملت حرق المنازل والمزارع، ما أدى إلى موجات جديدة من النزوح القسري
وأفاد مرصد شيرين في الأراضي الفلسطينية ،أن المستوطنين نفذوا نحو 9,490 اعتداءً خلال الفترة من عام 2019 حتى 2024، شملت أعمال تخريب وسرقة لممتلكات الفلسطينيين، وامتدت لتطال مساحات واسعة من الأراضي الزراعية. كما أسفرت هذه الاعتداءات عن اقتلاع آلاف الأشجار، خاصة أشجار الزيتون، ومصادرة معدات زراعية، وحرمان المزارعين من الوصول إلى أراضيهم.
وخلال الفترة ذاتها، تم هدم 6,244 منشأة فلسطينية، ما أدى إلى تشريد نحو 11,274 مواطنًا من منازلهم وأراضيهم. وفي الوقت نفسه، تزايدت وتيرة التوسع الاستيطاني بشكل ملحوظ، ليصل عدد المستوطنات إلى 648 بؤرة ومجمع استيطاني.
النتائج الإنسانية والاجتماعية:
أدت سياسات التهجير والتوسع الاستيطاني إلى تداعيات إنسانية واجتماعية خطيرة، من أبرزها ارتفاع معدلات الفقر والبطالة نتيجة فقدان الأراضي الزراعية والمراعي، وتفكك النسيج المجتمعي القروي بسبب التهجير المتكرر وتقطيع أوصال الضفة. كما ساهمت هذه الظروف في تدهور الصحة النفسية، خاصة لدى الأطفال، بفعل غياب الأمن والاستقرار، إلى جانب تنامي مشاعر الإحباط وضعف الثقة في المجتمع الدولي نتيجة غياب المساءلة وفعالية آليات الحماية.
ردود فعل فلسطينية ودولية غاضبة
نددت القيادة الفلسطينية بالقرار واعتبرته "جريمة حرب" وجزءًا من نظام الأبارتهايد الإسرائيلي. وقالت وزارة الخارجية الفلسطينية إن "الكنيست الإسرائيلي يواصل تشريع الاستعمار، ضاربًا بعرض الحائط القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة".
على الصعيد الدولي، أعربت دول في الاتحاد الأوروبي وعدد من دول أمريكا اللاتينية عن قلقها البالغ، محذرة من أن الخطوة "تقوض القانون الدولي، وتشجع على العنف، وتوسع دائرة التوتر في المنطقة". في المقابل، برز الصمت الرسمي الأمريكي، إذ تتجنب إدارة الرئيس بايدن توجيه انتقادات مباشرة لإسرائيل رغم التوترات المتصاعدة في الأراضي الفلسطينية.