الشريط الاخباري

اسرائيل تحاول اعادة انتاج جريمة الاقتلاع التي بدات مع النكبة بقلم حسين الشيخ علي

نشر بتاريخ: 21-12-2025 | أفكار
News Main Image

يشهد شعبنا الفلسطيني، في نهاية عام 2025، مرحلة خطيرة من مراحل النكبة المستمرة، تتجلى بوضوح في ما يتعرض له مخيما طولكرم ونور شمس، إلى جانب مخيم جنين، من إجراءات وحشية ممنهجة تنفذها قوات الاحتلال الإسرائيلي، تجاوزت حدود الاقتحامات العسكرية لتصل إلى سياسة التهجير القسري والتدمير الشامل، في محاولة لإعادة إنتاج جريمة الاقتلاع التي بدأت عام 1948 وتكريسها كأمر واقع جديد.

ففي السابع والعشرين من كانون الثاني/يناير 2025 أقدمت قوات الاحتلال على إرغام أهالي مخيم طولكرم على الخروج القسري من بيوتهم، تلا ذلك في التاسع من شباط/فبراير 2025 تهجير أهالي مخيم نور شمس، فيما يتعرض مخيم جنين في الوقت ذاته لعمليات اجتياح متواصلة، وهدم واسع للبنية السكنية والتحتية، وفرض حصار خانق، في استنساخ واضح لسياسة التفريغ السكاني والتدمير الممنهج للمخيمات. وقد أدى ذلك إلى تشريد ما يقارب 5200 أسرة من مخيمي طولكرم ونور شمس، إلى جانب آلاف الأسر في مخيم جنين، أُجبرت جميعها على ترك منازلها وممتلكاتها تحت القهر والسلاح، بعد أن حوّلت الجرافات العسكرية والمتفجرات أزقة المخيمات إلى ركام.

إن ما يجري في هذه المخيمات يشكّل كارثة إنسانية غير مسبوقة، حيث طال الهدم مئات المنازل والوحدات السكنية بشكل كلي أو جزئي، وجعلها غير صالحة للحياة، ودفع آلاف المواطنين إلى النزوح نحو مراكز إيواء مؤقتة أو مدن وبلدات مجاورة. كما تعمّد الاحتلال تدمير شبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي، ما حرم العائلات المشردة من أبسط مقومات العيش الكريم، وترك الأطفال والنساء وكبار السن فريسة للصدمات النفسية وانعدام الأمان والاستقرار.

سياسياً، يرى شعبنا الفلسطيني في استهداف مخيمات طولكرم ونور شمس وجنين حلقة مركزية في مشروع إسرائيلي متكامل يستهدف تصفية قضية اللاجئين، وضرب الدور التاريخي لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، عبر تدمير المخيمات مادياً ومعنوياً وتحويلها إلى بيئات طاردة للحياة. وتأتي هذه الجرائم في سياق سياسة العقاب الجماعي الرامية إلى كسر الحاضنة الشعبية للمقاومة، ودفع السكان نحو الهجرة القسرية أو ما يُروَّج له كهجرة “طوعية” تحت ضغط الدمار والحصار.

وتتجلى الطبيعة السياسية لهذه المخططات من خلال الشروط التي يفرضها الاحتلال للسماح بعودة الأهالي، والتي لا تمت بصلة إلى أي اعتبارات أمنية أو عسكرية، إذ يشترط منع الأونروا من العمل داخل المخيمات، وعدم إعادة بناء ما تم هدمه، وفرض وقائع ديموغرافية جديدة تمنع عودة نسبة كبيرة من السكان، في مسعى واضح لتحويل هذه المخيمات إلى نموذج قابل للتعميم على بقية مخيمات الضفة الغربية، تمهيداً لإنهاء قضية اللاجئين وضرب حق العودة في جوهره.

ورغم حجم الدمار، يؤكد أبناء مخيمات طولكرم ونور شمس وجنين تمسكهم بالبقاء والصمود، ويرون في إعادة الإعمار فعلاً وطنياً مقاوماً، لا مجرد عملية هندسية، بل مواجهة مباشرة لمخططات التهجير وكسر الإرادة الفلسطينية.

وانطلاقاً من خطورة المرحلة، فإننا نوجّه دعوة واضحة وصريحة إلى القوى الوطنية والإسلامية الفلسطينية لتحمّل مسؤولياتها التاريخية، والعمل الجاد على إنهاض الجماهير الفلسطينية وتنظيمها وتوحيد بوصلتها، عبر إطلاق تحرك شعبي شامل وفاعل في جميع أماكن وجود شعبنا، نصرةً للمخيمات المستهدفة، ودفاعاً عن قضية اللاجئين وحق العودة. إن المرحلة تتطلب الانتقال من مربع ردّ الفعل إلى الفعل الوطني المنظم، عبر المسيرات الشعبية، والاعتصامات المفتوحة، والعصيان المدني، ومقاطعة أدوات الاحتلال، وتوفير كل أشكال الإسناد المادي والمعنوي للعائلات المشردة، بما يعيد الاعتبار لقوة الشارع الفلسطيني كرافعة أساسية للنضال الوطني.

إن الدفاع عن مخيم جنين، كما عن مخيمي طولكرم ونور شمس، هو دفاع عن جوهر المشروع الوطني الفلسطيني، وأي مساس بهذه المخيمات أو بالأونروا هو مساس مباشر بالذاكرة الوطنية وبحق العودة. وعليه، فإن إنهاض الجماهير اليوم واجب وطني لا يحتمل التأجيل، ورسالة حاسمة للاحتلال وللعالم أجمع بأن المخيمات ليست عبئاً مؤقتاً يمكن شطبه، بل عنوان نضال مستمر حتى تحقيق الحرية والعودة

ختاماً، إن صمت المجتمع الدولي تجاه هذه الجرائم يشكّل غطاءً سياسياً لاستمرار الاحتلال في سياسة الأرض المحروقة. وإن مخيمات طولكرم ونور شمس وجنين اليوم ليست مجرد جغرافيا مدمرة، بل شواهد حية على صمود شعب يرفض نكبة جديدة، ويؤكد أن سياسات التشريد والاقتلاع لن تزيده إلا إصراراً على نيل حقوقه الوطنية المشروعة، وفي مقدمتها حق العودة وتقرير المصير، حتى زوال الاحتلال وتحقيق العدالة التاريخية.

شارك هذا الخبر!