الشريط الاخباري

لماذا هذا التحول في الموقف الأوروبي بقلم: سمير عباهرة

نشر بتاريخ: 06-10-2022 | أفكار
News Main Image

بقلم: سمير عباهرة


هل هو تقلب ام انقلاب ام تراجع في السياسة الخارجية الاوروبية تجاه الصراع الفلسطيني الاسرائيلي وهل هو تغير في المواقف بعد ان كان الحماس سيد الموقف لدى المجموعة الاوروبية من اجل ايجاد حل عادل للصراع ينتهي بانسحاب اسرائيل من الاراضي التي احتلتها عام 1967 وقيام دولة فلسطينية. وكان يعد هذا الموقف مسالة استراتيجية للأوروبيين فقد كانت بدايات عملية السلام في اوروبا بعد ان تم التوصل الى تفاهمات في العاصمة النرويجية اوسلو.

تسارع الاحداث السياسية الدولية وتداعياتها وما افرزته من تغيرات وتحولات متسارعة نتيجة الحرب الروسية الاوكرانية والأحداث الاخرى التي يشهدها العالم افرزت معطيات جديدة ونتج عنها نوعا من التحالفات والتكتلات الدولية وأحدثت تغيرات كبيرة على مواقف الدول وكثيرا من الاطراف بدأت في البحث عن مواقع لها في الخريطة السياسية الجديدة وما يطرأ عليها من تغيرات في موازين القوى.

هذه التحولات الجارية تركت تداعياتها على الموقف الاوروبي الذي بدأ بالتراجع عن حل الصراع استنادا الى القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية. وللتذكير فان اوروبا كانت من اكثر الدول تشددا في التمسك بقرارات الشرعية الدولية في تقرير مصير الصراع وكانت تنادي دائما بحل الدولتين وتطالب اسرائيل بالانسحاب الكامل من الاراضي التي احتلتها عام 1967 حتى أن الاتحاد الأوروبي قبل اعوام مضت وزع على أعضائه وثيقة سرية تتضمن مشروع اقتراح بعقوبات سيتم فرضها على إسرائيل إذا ما أقدمت على أي تحرك في الضفة الغربية من شأنه أن يجعل من حل الدولتين أمراً مستحيلا لكنها اليوم عادت واتخذت موقفا يقوم على تشجيع الاحتلال ومكافئته على جرائمه المتواصلة بحق الفلسطينيين عبر إعادة إحياء مجلس الشراكة الأوروبي - الإسرائيلي بين الكتلة الأوروبية ودولة الاحتلال.

هل خضعت دول الاتحاد الاوروبي للضغوط الامريكية الاسرائيلية بصفتها الجهة الاكثر انشغالا بتسوية الصراع والأقرب للاعتراف بالدولة الفلسطينية ام ان تصاعد حدة النزاعات الدولية والإقليمية كانت السبب وراء هذا التحول بصفتها طرفا في تلك النزاعات الدائرة في شرق اوروبا. ويمكن القول بأن هذا العامل قد يكون هو الاهم في التوجهات الاوروبية الجديدة اذا ما اخذنا بعين الاعتبار ان الدول الاوروبية المؤثرة في السياسة الاوروبية وفي مقدمتها فرنسا وبريطانيا وألمانيا والتي تقود الخطوة الاوروبية الاخيرة تجاه القضية الفلسطينية هي الاكثر وقوعا تحت المظلة الامريكية فقد كشفت الحرب في شرق اوروبا عن هشاشة الكينونة الاوروبية ووقوعها ضمن دائرة النفوذ الامريكي حيث صادرت قرارها السياسي وتركت لها هامشا من المناورة في المجال الاقتصادي.

ومن ناحية اخرى فان اوروبا تعاني من ازمة سياسية واقتصادية نتيجة الحرب الروسية الاوكرانية وتبحث عن طوق نجاه للخروج من هذا المأزق فهي لا تستطيع التحرر من التبعية والتسلط الامريكي على قرارها السياسي وترى في التقارب من اسرائيل مخرجا يخفف عنها الضغوط الامريكية ويفتح الباب امامها ربما للخروج من ازماتها ولتكون لها نصيرا في وجه الاستبداد الامريكي. اضافة لهذه العوامل والأسباب فهناك اعتقاد سائد بأن اوروبا تحاول ممارسة الضغط على الفلسطينيين للتراجع عن موقفهم الذي لا زال يلتزم الصمت والحياد في الحرب الدائرة وهذا لا يلقى الاعجاب لدى الاوروبيين.

ايا كانت الاسباب فهذا ليس مبررا لدول الاتحاد الاوروبي القيام بهذا الدور الذي ربما يكلفها فقدان دورها الرئيسي في مسألة الصراع وإضعاف موقفها الدولي حيث بدأت في تبني الموقف الامريكي فيما يتعلق بالتسوية كما جاء على لسان سفير فرنسا في اسرائيل "اريك دانون" عندما قال " يمكننا قبول اي حل يتفق عليه الفلسطينيون والإسرائيليون" وهذه عبارة ترددت كثيرا في اروقة صناعة القرار في الولايات المتحدة وأضاف دانون " لقد تغير الشرق الاوسط ويجب مراعاة الوضع الجديد" في اشارة للاتفاقيات الموقعة بين اسرائيل والإمارات والبحرين. هذا التحول في موقف اوروبا ربما يكلفها فقدان دورها في السياسة الدولية وإضعافه وتحديدا في منطقة الشرق الاوسط وسينعكس سلبا على مصالحها.

لكن الاكثر خطورة في الموقف الاوروبي هو عندما اشار السفير الفرنسي دانون في حديث عن تسوية الصراع بأن الحل يمكن" ان يكون دولتين او دولة واحدة بالقدس او بدون القدس" وهذا تراجع خطير في موقف احدى الدول الاوروبية الكبرى تجاه القدس الارض المحتلة عام 1967 ويعني انها اعترفت بالسيادة الاسرائيلية عليها. ويرى دانون ان اسرائيل اصبحت قوة اقليمية و" يجب على الفلسطينيين ان يأخذوا في الحسبان وضعهم الضعيف على الساحتين الدولية والعربية وان الفلسطينيين لم يكونوا بهذا الضعف من قبل وممكن أن يخسروا كل شيء".

هذه المواقف الاوروبية جاءت منسجمة تماما مع التطورات والتحولات الاقليمية وداعمة للمتغيرات التي طرأت على شكل الصراع ويتماها تماما مع الاعتقاد الجديد السائد بان موجة التطبيع الاخيرة بين اطراف عربية وإسرائيل عززت من موقف اسرائيل الاقليمي وساهمت في ازدياد الاختلال في موازين القوى والمختل اصلا لصالح اسرائيل وربما يمكنها ذلك من فرض الحلول وفق الرؤية الاسرائيلية والامريكية لكن هذه التحولات تحاول اوروبا تسويقها بما يخدم مصالح اسرائيل وسيكون لها انعكاسات سلبية على الصراع بتشجيع حكومات اسرائيل في مواصلة خداعها للعالم اجمع وتبني وجهة نظرها في تسوية الصراع ودفن القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية والتي كانت اوروبا من اشد المدافعين عنهما في مقابر الاحياء.

حالات التطبيع بين بعض الاطراف العربية وإسرائيل لم تغير وجه الشرق الاوسط فلا علاقة لهذا التطبيع بالصراع اذ ان دوافع التطبيع تأتي في سياق سياسة المحاور والتكتلات الاقليمية ومها تغير الشرق الاوسط حسب وجهة نظر السفير دانون فان محددات الصراع لم ولن تتغير سواء اقامت الامارات والبحرين او غيرها من الدول الاخرى علاقات مع اسرائيل كما يشاع اذ ان الصراع خرج من بعده القومي منذ العام 1973 وانتهى فعليا عام 1982 ومهما حدث من تغيرات اقليمية فان الحق الفلسطيني لا يتغير وسيبقى الصراع في تصاعد وستبقى المنطقة تعاني من عدم الاستقرار اذ ان ضعف الفلسطينيين او قوتهم لا تقاس بمقاس التكتلات والمحاور بل في شرعية حقوقهم.
 

شارك هذا الخبر!