الأسير قتيبه مسلم - أبو حمدي
عميد أسرى حركة فتح - محافظة نابلس
خمسة وسبعون عاماً منذ نكبة التطهير العرقي عام 1948، ولا زالت دولة الاستعمار الاستيطاني الكولونيالي الاحلالي (إسرائيل) جامعة شتات الهويات اليهودية المتناقضة داخلياً، والموحدة بكل عنف وإرهاب ضد شعبنا الفلسطيني الأعزل، (الهوية العلمانية المؤسسة، الهوية اليهودية التقليدية، الهوية الدينية - القومية، الهوية الدينية - الحريذية)، ترفض الإقرار بالمسؤولية الأخلاقية والسياسية والعملاتية وما يترتب على هذه المكاشفة من استحقاقات واقعية سياسية لصالح الشعب الفلسطيني.
ورغم أن المحرقة (الهولوكوست)على يد النازية الهتلرية ضد اليهود والغجر والسلال مثلت ركن الوعي والانبعاث والتمدد والهيمنة والسيطرة والظلم التاريخي ضد الأرض والشعب الفلسطيني الأصلاني، وأساس الرواية اليهودية الصهيونية. مثلما وقفت النكبة في جوهر الرواية الأصلانية الفلسطينية النقيضة لهذا المشروع الصهيوني، فإن ضحايا المحرقة وأحفادهم ورواتها حملوا وعي ونهج وسياسة المحرقة ضد الوجود الفلسطيني بكل مكوناته المجتمعية والاقتصادية والسياسية والحدودية.
حتى أن باب الأمل الذي فتح لخلق تعايش سلمي حقيقي يمنع الدموع والدماء والضحايا عند كلا الشعبين بعد اتفاقية أوسلو عام 1993 بحل سياسي واقعي يجمع الشعبين في دولتين متجاورتين على أرض وطن واحد تم إغلاقه برصاصة متدين صهيوني متطرف ضد رئيس دولته رابين ليؤكد هو وجيش المستوطنين المتدينين الرافضين لأي حل سياسي بأن المجازر والتطهير العرقي ونهج الإبادة الجماعية وفكرة التهجير والطرد الجماعي (الترانسفير) أفكار لم تنتهي ولا زالت تحرك هذه المنظومة الصهيونية الاستعلائية الاحلالية العنفية التي لا تقبل بأي شريك أو أي منطق تاريخي أو قانوني أو لغة حوار على أساس الحق والمساواة والعدالة.
إن التيار اليميني الفاشي الديني والقومي الحاكم في إسرائيل يؤكد من جديد صحة التخوفات البحثية العلمية التي تكشف أننا أمام سيناريوهات ستكون بها مأساة النكبة شيئاً بسيطاً.
وربما يتساءل البعض أن هذه الأفكار والتحليلات هي مجرد أوهام ولكن وقائع الأحداث والتطورات وخاصة في سجون العدو الصهيوني تؤكد أن هناك ما يشبه خطة (خطة التطهير العرقي التي استعملت عام 1948) جاهزة سيتم تطبيقها سياسياً في الخارج وداخل السجون وأخطر عنوان بها حسب رؤية بن غفير هي ضرورة تطبيق الإعدام داخل السجون لكن بوسائل متنوعة تضمن الخلاص مما يسميهم (المخربين والقتلة الإرهابيين).
إن الكارثة الإنسانية والمأساة التي نتجت عن الهولوكوست (المحرقة النازية ضد اليهود) لم يترتب عليها أي خلاصات عملاتية تجرم وتمنع فعل المحرقة والإبادة الجماعية ولهذا كانت تسمية القرن العشرين، "قرن الإبادة الجماعية"، "قرن العنف"، "أو قرن الشر"، والضحايا دون المحاربين يزيد عددهم على 174 مليون.
وعبر النكبة والتطهير العرقي والمجازر اللاحقة ضد شعبنا الفلسطيني على يد من تحولت المحرقة عندهم إلى موجه دموي وعنفي بدل أن تكون نهاية مأساة وبداية سهم أخلاقي وإنساني بين الشعوب بعيداً عن الحروب والقتل والدمار استمرت مأساتنا الفلسطينية ونكباتنا المتواصلة وشتات منافينا.
إن مشروع اليمين القومي والديني الفاشي الصهيوني القادم سيكون دموياً وعنفياً وتفريغياً لصالح فرض التهويد الشامل وفرض الحقائق السياسية بالقوة على شعبنا مستثمرين للأسف تمزقنا المجتمعي والسياسي الفلسطيني الداخلي وعدم وحدة جغرافيا الوطن ووحدة القيادة ووحدة البرنامج السياسي والمقاوم والبحث عن رايات حزبية على حساب راية فلسطين الواحدة الموحدة.
وفي السجون الإسرائيلية ستكون ساحة صراع غير عادية وستُمارس محرقة بشكلٍ ما ضد الأسرى الفلسطينيين إذا لم يكن هناك خطة وطنية حقيقية في الداخل والخارج وقيادة ميدانية مدعومة من القيادات السياسية كافة تتحمل مسؤولية إدارة ملف الاشتباك الميداني والصراع في كل الجبهات.
ونحن كأسرى دولة فلسطين وبعيداً عن الانتماءات الحزبية الضيقة ومعادلات الخيبات التنظيمية العاجزة نعيش حالة حوار في كل المستويات القيادية والقاعدية والكادرية لأجل إعداد الذات للمواجهة القادمة لإدراكنا أنها معركة غير تقليدية ولهذا فإن الخلاصات الأولى لحراك الأسرى واستناداً على وعينا أن خطط الهجوم الصهيوني ضدنا وضد شروط حياتنا المعمدة بالدم وواقعنا الاعتقالي المأساوي قادمة هي أن رد الأسرى سيكون رداً غير تقليدي بالإجمال وسيتجاوز كل الخطوط الحمر السابقة لوعينا أن قيادة العدو لا يهمها استشهاد أي أسير داخل السجون.
وبناءً على ما سبق ولاعتباراتٍ عدة لا يمكن الكشف عنها ولا يمكن الكشف عن كل وسائل الأسرى وخطط دفاعهم والمبنية كلها أن محرقة حقيقية قادمة ضدنا وعدد الضحايا فعلياً سيكون غير عادي من الطرفين لأن الأسرى اقتنعوا أن أي تهاون أو عقلانية في الرد على هذه المحرقة الصهيونية الفاشية القادمة سيعني هلاكهم ولا بد من جنون الثوار وشجاعتهم واستبسالهم لردع هذه الفاشية النازية المتطرفة التي لا تعترف في أي شرعية دولية أو حقوق إنسان.
وعلى قيادة شعبنا وفصائلنا وكل القوى المجتمعية والطلابية والنسوية والنقابية التحرك لعقد اجتماعات فصائلية موحدة في كل المحافظات على أرضية التوحد الوطني الشامل وتجاوز كل الأزمات والثغرات والعمل في جبهة واحدة تضم كل القوى الوطنية والإسلامية دون استثناء.
لأن أي خلل أو تشرذم أو خنجر داخلي سيكون لصالح هذا المشروع العنفي الصهيوني التصفوي في السجون وخارج السجون.
إن تصريحات قادة الحكومة اليمينية القادمة الداعمة لإعدام حتى الأطفال الذين يرشقون الحجارة ضد سيارات إسرائيلية تكشف اللثام عن نوعية الخطط التصفوية القادمة.
ومثلما قال كريستوفر براونينغ في كتابه (رجال عاديون) بأنه عندما تضاف الصور النمطية العنصرية والسلبية المطبوعة فينا إلى الوحشية المطبوعة في حقيقة أن رجال مسلحين يتم إرسالهم لقتل بعضهم البعض على نطاق واسع. ( التعليمات المعطى لجيش العدو الصهيوني لقتل أي فلسطيني يتحرك) فإن أقل أعراف الحرب وقواعد القتال هشاشة يتم تجاوزها بشكل مستمر ووحشي من قبل الطرفين، ويشير أن هناك نوعين من طلائع الحرب. النوع الأول هو (جنون ميدان المعركة) مثل مجزرة الأسرى وتشويه الجثث التي ارتكبها الأمريكان في العديد من جزر المحيط الأطلسي، والمجزرة التي ارتكبت في ماي لاي في فيتنام.
والنوع الثاني من فضائل الحرب (إجراءات عملية معيارية). تتم بقرار حكومي رسمي وليس ردات فعل مثلما سيتم في المرحلة القادمة على يد عصابات هذه الحكومة الاستعمارية الصهيونية.
إن كل المقابلات مع بن غفير وسموتريتش تعطي مؤشرات على أن فكرة الإبادة الجماعية (الجينو سايد) ستطبق إذا ما وجدت ظروف محلية وإقليمية موائمة حيث أن ما يسبقها من إعلان حالة الطوارئ بالمجتمع والدولة ضد الآخر الفلسطيني العدو و خلق حماسة لديهم وإعلاء الجدران بين (نحن وهم) وإقصاء الآخر العدو وتجريده من اللا أنسنه (فهو شيطان وحيوان) وتعزيز الصورة النمطية العرقية السلبية لتجييش المجتمع والجيش الإسرائيلي كل ذلك يتم بشكل منهجي لتمرير خطط لحسم الصراع والتهجير والتدمير وارتكاب المجازر وأخطرها المحرقة القادمة ضد الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية. سنواجه هذا النهج بكل ما أوتينا من عزيمةٍ وإيمانٍ وإرادة ولن نركع ولن نساوم على تاريخ الحركة الأسيرة سندافع بدمنا وجوعنا وأشلاءنا عن تاريخنا وعن قضيتنا وعن مشروعنا الوطني.